قبل الكلام على أي مسألة من مسائل العلم المختلف فيها

فائدة أصولية مهمة لطالب العلم: 

مما ينبغي لطالب العلم قبل الكلام على أي مسألة من مسائل العلم المختلف فيها أن يحرر موضع النزاع ومناط الخلاف ولن يتم ذلك إلا بعد سبر الأقوال وحججها في ذلك الخلاف وترتيبها على منوال سلفي صحيح ، فلابد قبل الحكم على آحاد المسائل من تأصيلها تأصيلا بالغا بقدر الاستطاعة كي يرتفع اللبس عن المتكلم قبل السامع بل وتعطى المسائل بأدلتها حقها من التأمل والفكر إعمالا لقواعد العلم وأصوله ناهيك عن تعظيمه وصونه من الإسفاف والعجلة لأن المتأمل المتأني ينطق ويستدرك بما يفوت المستعجل في الغالب بل إن التأني في الحكم لاستكمال أدواته سبب للرسوخ فيه ويتفرع من هذه القضية البالغة الأهمية قاعدة فهم السؤال فرع الجواب وقد يعبرون عنها بقولهم فهم السؤال نصف الإجابة والصواب أن يقال "مقدمة" وهكذا قضية المنطوق و المفهوم من الأدلة الشرعية والتعارض بينها و الترجيح فيها إلى غير ذلك من التفريعات المهمة والتي لا تتم صحيحة إلا بعد تحرير الأقوال بأدلتها ثم التأمل فيها : 

وإليك أخي القارئ فائدة عظيمة للإمام المستقرئ الحافظ المفسر الأصولي شيخ الإسلام محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله فيها بيان ما نقول : 

 قال رحمه الله  عندَ تفسيرِ الآيةِ رقمِ (54) من سورةِ الأعرافِ، وهي قولُه تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف: آية 54] [يونس: 3] وبعد تقريرِه للمعتقدِ الحق الصحيحِ في بابِ الصفاتِ وبيانِ بُطْلاَنِ مذهبِ المتكلمين وغيرهم في ذلك: قال:

«ونحنُ نقولُ لكم هذا وَنُقَرِّرُ لكم مذهبَ السلفِ على ضوءِ القرآنِ العظيمِ مع أنَّا ما دَرَسْنَا دراسةً شديدةً مثل علومِ الكلامِ والمنطقِ، وما تَنْفِي به كُلُّ طائفةٍ بَعْضًا من صفاتِ اللَّهِ، ونحن مُطَّلِعُونَ على جميعِ الأدلةِ وعلى تَرْكِيبِهَا التي نُفِيَ بها بعضُ الصفاتِ، عارفونَ كيف جاءَ البُطْلاَنُ، ومن الوجهِ الذي جاءَ البُطْلاَنُ، واسمُ الدليلِ الذي تُرِدُ به، ولكن ذلك لا يَلِيقُ في هذا المجلسِ الحافلِ؛ لأنه لا يَعْرِفُهُ إلا خَوَاصُّ الناسِ، فبعدَ النظرِ العامِّ الطويلِ في علمِ الكلامِ وما يستدلُّ به طوائفُ المتكلمين، وما تَرُدُّ به كُلُّ طائفةٍ على الأخرى، والأقيسةِ المنطقيةِ التي رَتَّبُوهَا وَنَفَوْا بها بعضَ الصفاتِ، ومعرفتنا من الوحيِ ومن نَفْسِ الكلامِ والبحوثِ والمناظراتِ كيف يَبْطُلُ ذلك الدليل، ومن أين جاء الخطأُ، وَتَحَقَّقْنَا من هذا كُلِّهِ، تَحَقَّقْنَا كُلَّ التحققِ أن السلامةَ كُلَّ السلامةِ، والخيرَ كُلَّ الخيرِ في اتباعِ نورِ هذا القرآنِ العظيمِ، والاهتداءِ بِهَدْيِ هذا النبيِّ الكريم..الخ)... ا.ه .

أقول ومن هنا كان تميز هذا الإمام و أضرابه من الأفذاذ المحققين ، سلفا كمالك والليث والشافعي من محدثي الفقهاء  وأحمد واسحق وابن المديني والبخاري من فقهاء المحدثين وابن حزم وابن عبدالبر وابن تيمية والذهبي وابن القيم وابن حجر من متأخري محدثي الفقهاء والداني وابن الجزري من فقهاء القراء وابن هشام و السيوطي من اللغويين الفقهاء وغيرهم كثير رحمهم الله جميعا، وما ذلك إلا لما بذلوه من الجهد و الأوقات في التحرير حتى صارت كتبهم في غاية من الثراء العلمي والرسوخ الفكري  والله الموفق.  

https://t.me/collectionofqnawithahmadbanajah/256